mercredi 28 février 2007

نحو ميثاق نقابي



نحو بلورة ميثاق نقابي

ما الحاجة لذلك؟

إنّ بلورة ميثاق نقابي تعدّ بحد ذاتها مهمّة نقابية على غاية من الأهمية، ومن ضمن الأهداف الأساسية لهذه الممارسة النقابية: توحيد جهود كل"المستائين" من الممارسات اللانقابية للنقابة العامة للتعليم الثانوي. وهذا يعني أن يصبح هذا الميثاق خطوة على طريق القطع مع ممارسات لا تمتّ بصلة لأساليب العمل النقابي المدني.

فالنقابة العامة الحالية تستمدّ قوّتها من كونها جهازا إداريا يوظّف ما يسمّيه "إنجازات" و بعض الأحداث اليوميّة للظهور بمظهر المدافع عن مصالح قطاع التعليم الثانوي. فهذه النقابة لا تستمدّ قوّتها من قدرتها على تمثيل المنخرطين و من قدرتها على تعبئة هؤلاء المنخرطين حول مهمات واضحة و بأساليب مدنيّة معاصرة، فسلاحها المغالطة عبر موالين لا يفقهون شيئا في الحقل النقابي وذلك مقابل خدمات بائسة تقدّمها لهم مقابل مقايضات على حساب مصالح القطاع ، بل كل قوّتها تكمن في عقد صفقات و عمليات ابتزاز و مغالطة هنا و هناك، وكانت النتيجة عملية تصحير للحقل النقابي، فقد عمل هؤلاء الموالين في أغلب الجهات على مضايقة كل العناصر النقابية التي تختلف مع المنهج اللانقابي للنقابة العامة باستعمال سلطة الإشراف.

فإذا أراد "المستاءون" القطع مع هذا الفهم اللاّنقابي فذلك يستدعي كذلك القطع مع العمل بنفس أساليب هذه النقابة و نعني بذلك العمل على توحيد عمل هؤلاء"المستاءين" عبر وثيقة تحدّد أهدافهم و طرق عملهم ويتمّ ذلك عبر طرح هذه المسائل على بساط البحث. أما أن يقتصر العمل على معارضة هذا الإجراء وعلى بعض المشاكسات(...) فإنّ هذه الطرق في التصدي للنهج اللاّنقابي ستكون لصالحه.

كيف يمكن ذلك؟
لنر الطريقة التي تعاطت معها النقابة العامة أو بشكل أدقّ الكاتب العام للنقابة العامة -اعتبارا أنه في هذا النهج النقابي المتخلّف يعتبر الكاتب العام هو النقابة العامة- مع هؤلاء" المستائين".
فإثر معارضتهم لما سمي اتّفاق قطاع التعليم الثانوي، و ذلك أثناء انعقاد ما سمّي لقاء جهات (وهو اللقاء الذي تتمّ فيه مبايعة الكاتب العام من قبل ممثّليه في الجهات لا لقاءا مفتوحا لكل النقابيين لتدارس مشاغل القطاع ) عمدت هذه النقابة على تجاهل مطالب العديد من النقابيين في العديد من الجهات بضرورة طرح محضر الاتفاق على بساط البحث و عملت على التشويه والتضليل والمغالطات وصورت أن ما قامت به يعد إنجازا عظيما ولا ينقصه إلا الهروب إلى الأمام بالتنديد بمجزرة بيت حانون و التصدي للإمبريالية في العراق، فهي حريصة على توظيف كل شيء للتعويض عن فقدانها التمثيلية الفعلية لقطاع التعليم الثانوي.

فلقد أثبت ذلك اللقاء (لقاء الجهات) ممّا لا يدع مجالا للشّك إصرار هذه النقابة على الممارسات اللاّديمقراطيّة و خوفها من منخر طيها و إصابتها بالرّعب من مواجهتهم و منذ ذلك اللقاء تستفيد هذه النقابة من:
عدم بلورة خطة للعمل أو مشروع بإمكانه مواجهة الأساليب اللانقابية.
عدم المواجهة المنظمة والواعية للأساليب المتخلّفة في الحقل النقابي المعتمدة من قبل هذه النقابة.
الاقتصار على مشاكسات لهذا النهج هنا وهناك بصفة فردية ودون الارتكاز على خطة واضحة المعالم لمواجهة التخلّف النقابي.
تردّد "المستائين" في مواجهة حملة التشهير الممنهجة التي تعتمد عليها النقابة العامة عبر مواليها للتشكيك في أهدافهم وإظهارهم على أنهم
· خطر على وحدة القطاع مقتدين (النقابة العامة وزبائنها) بنفس أساليب السلطة التي يدّعون مواجهتها.
· موالون" لفلان أو علان".
و كل ذلك لعرقلة دور هؤلاء" المستائين" وهو السلاح الناجع للهيكل الحالي حيث يتعاطى مع المنخرطين لا بصفتهم هذه بل كأعضاء لجماعة هذا أو ذاك.
و هذا ما شجع الهيكل الحالي على الاستمرار في نهجه من سيّئ إلى أسوأ فهو يريد اليوم (فيفري 2007) أن يؤكّد على مشروعيته النقابية بمغالطة جديدة حول مغالطة قديمة. كيف؟
بعد أن عمد و عمل كل ما في وسعه على إقناع "جمهوره" بأنه أنجز اتفاقا عظيما يعدّ هذه الأيام العدّة لتعبئة مواليه و ممثليه في الجهات، موظفا أحداثا بالتضخيم أو التقزيم و إعلان حالة الطوارئ بالنفير العام -ليس من أجل مطالب ولكن من أجل شرعية محل جدل- حول ماذا؟ "سلطة الإشراف تنكرت للاتفاق". أمّا أي اتفاق؟ و ما هي بنوده؟ وكيف تمّ التوافق حول هذا الاتفاق؟ وما هو موقف المنخرطين في قطاع التعليم الثانوي من هذا الاتفاق؟ و ممّن يستمدّ هذا الاتفاق مشروعيّته؟ و ما علاقة هذا الاتفاق بلائحة المطالب التي أضرب من أجلها هذا القطاع سنة 2005-2006؟ فالنقابة تتهرّب من جميع هذه الأسئلة وحين تحاصر بها فحجتها المركزية "حتى المكتب السابق أنجز اتفاقية بمثل هذه التعاسة" فمن جهة يعدّ ذلك نقضا لما يدعون له في العلن بضرورة تفعيل الاتفاق إذ لا يمكن لقاعدة نقابية تفعيل اتفاق بائس، و من جهة أخرى اعتراف هذا المكتب بأن سبب وجوده هو افتكاك المكتب النقابي من أصحابه الذين سبقوه (مثل صراع العصابات).
و هذا يعني أن البؤس الحالي يستمد مشروعيته من البؤس السابق.

ما المطلوب؟
إننا نرى أن على هؤلاء" المستائين" توحيد جهودهم و العمل على فرض جدول أعمال داخل القطاع موضوعه:
1. تمثيلية قطاع التعليم الثانوي نقابيا بالاعتماد على الأساليب النقابية الديمقراطية التي تقطع مع أساليب المحاصصة العشائرية و أشكال الابتزاز والمغالطة.
ضرورة إرساء تقاليد نقابية جديدة في كيفية التعاطي مع مطالب القطاع وفي علاقة المنخرطين بالهياكل

و لن يتم ذلك دون التصدي لإعلانات حالة الطوارئ التي هدفها الأول إكساب مشروعية لاتفاق لا مشروعية له ومصادرة الحق النقابي. إن الأساليب المتبعة من قبل المكتب الحالي تعد بامتياز أساليب لمصادرة الحق النقابي لذلك فإننا نرى العمل على:
. التعريف بجميع الخروقات لتي يقوم بها هذا المكتب النقابي في مجال الحقل النقابي.
العمل على فضح، وبشكل علني و في جميع الملتقيات النقابية، كل أساليب الابتزاز المتبعة من قبل المكتب النقابي.
عدم التعاطي مع الأخبار المضلة التي يروّجها موالو هذا المكتب و الاعتماد على معطيات وأخبار دقيقة و مواجهة هؤلاء الموالين في جميع الاجتماعات و الأماكن العامة.
. إصدار بيانات للتعليق و التوزيع لدحض الادعاءات والمغالطات.
. عدم الالتزام بجميع القرارات اللاديمقراطية الصادرة عن هذا المكتب.
التأكيد بأن دوافع التصدي للنّهج اللانقابي الحالي هي دوافع الالتزام بجملة من المبادئ النقابية الديمقراطية وليست لنصرة هذا عن ذاك .فللمكتب السابق والحالي نفس النهج والآليات.
بعث هيئة أو لجنة أو...... على المستوى الوطني لتنسيق أعما ل "المستائين" .
من أجل الديمقراطية النقابية
( مجموعة من النقابيين الديمقراطيين بالتعليم الثانوي (تونس ) فيفري2007

samedi 20 janvier 2007

بيان

بـــــــيان
حول" الأزمة" بين نقابة التعليم الثانوي و سلطة الإشراف
ضرورة هذا البيان
إن الدوافع الأساسية لهذا البيان تتلخص فيما يلي:
1. كتابة بيان، و توزيعه و قراءته وتعليقه و نقده سلبا أو إيجابا بالمؤسسات التربوية وبدور الاتحاد، يعتبر من ضمن ممارسة الحق النقابي الذي تقول نقابة القطاع أنه من المطالب الأساسية و تطالب بإقحامه ضمن القانون الأساسي.
2. إبراز المعطيات الموضوعية التي أحاطت" بالأزمة" بين النقابة و سلطة الإشراف في بداية السنة الدراسية 2006 /2007 .
موضوع الأزمة:
· وزارة التربية لم تسلم قائمة الشغورات.
وهذا ما جاء على لسان الكاتب العام للنقابة العامة بجريدة الشعب ليوم 9/11/2006 "الإمتناع عن تقديم الشغورات التى أنجزت وفقها الحركة".
· ما الهدف من أن تتسلم النقابة قائمة الشغورات؟ يقول الكاتب العام بنفس المصدر"مراقبة مدى التوافق بين المراكز المعلنة والنقل التي تحصل عليها أصحابها".
ملاحظات: في السنوات السابقة هل كان تسليم قائمة الشغورات موضوع الأزمة يحقق الغرض الذي أشار له؟
الإجابة: لا. حيث يقول الكاتب العام: "حتى يتسنى وقف نزيف النقل التي تتم بعد الحركة بصفة غير قانونية يعرفها القاصي والداني ويتضرر منها مئات الأساتذة وتنتفع بها جهات معلومة لها مصلحة في خلق سوق للنقل."
كم هي رائعة هذه الكلمات من حيث الاعتراف بأن النقابة رغم أنها كانت تتسلم قائمة الشغورات لكن الضرر يتعرض له المئات.
إذن أين تكمن المشكلة؟
دون لف ودوران، النقابة فقدت حصتها من هذا السوق الذي أشار له فاندلعت الأزمة. فبعلم القاصي والداني كذلك و على مرأى ومسمع من الجميع تفتح النقابات في جميع الولايات بورصة للنقل وتقوم منافسات محمومة بين بعض المنخرطين لتقديم الولاء للفوز بنقلة. فإن كانت النقابة تقول إن الهدف من تشريكها هو السهر على تطبيق المقاييس الموضوعية في حركة النقل فما الداعي لهذه الأسواق؟ و لتكون الصورة واضحة: لنفترض أن المدرس فلان تتوفر لديه جميع المقاييس الموضوعية للنقلة، لماذا تصبح نقلته موضوعا للمن واعتزازا للنقابة بهذا الإنجاز و خاصة إذا كانت تعتنق مبدأ الدفاع عن كل المنخرطين دون تصنيف؟ و لنفترض الآن أن فلانا لا تتوفر فيه الشروط لماذا تبيع النقابة وهما بنقلته ولكسب الثقة تطالبه بتوفير بعض الوثائق؟
نعتقد أن المسألة بسيطة للغاية فإذا ما أرادت النقابة فعلا الشفافية و عدم تضليل المنخرطين والكف عن بيع الأوهام فبإمكانها معالجة المسألة بآلية بسيطة تمكنها من غلق سوق النقل وهذه الآلية تتمثل في الإعلان بمعلقات ومداخلات في المؤسسات التربوية تعلن فيه أنها ستلتزم باحترام المقاييس الموضوعية والدفاع عنها وبذلك يكون المنخرطون قد اقتنعوا بضرورة إقلاعهم عن ممارسات "الولاء مقابل الحصول على حق" فمثل هذه الأشياء يجب أن تكون محل إدانة. ووضع حد لذلك يكمن في إقناع المطالبين للنقابات بالتدخل لنقلتهم بالكف عن هذا السلوك. لكن المصيبة لدينا أن الناطقين باسم النقابة هم المنشطون لهذا السلوك ويستمدون من هذه السلوكيات (تو اندبرلك نقلة، منحة لولدك، جدول باهي) شرعيتهم. فاعتبارا لأن كل مطلب نقلة لا يقع فيه النظر إلا إذا مر على المسالك الإدارية، ما السر إذن أن يطالب منخرط بتقديم مطلب النقلة للنقابة التي تقر بأنه لا ينظر إلا في المطالب التي مرت عبر السلك الإداري؟ ما السر أن لا تكشف النقابة العامة عن المقاييس الموضوعية (إن وجدت) لتوزيع المنح على أبناء المدرسين في العلن وتعليقها بجميع دور الإتحاد؟
إن المشاهد التي وقعت ملاحظتها بعديد الولايات تعطي إجابة عن بعض ما سبق من أسئلة. حيث أنه بعد الإعلان عن استعادة النقابة حصتها في "سوق النقل" دب الأمل باستعادة بعث نفوذها ببيع الأوهام.
من أجل الديمقراطية النقابية


الديمقراطية النقابية

الديمقراطية النقابية ؟
مقدّمة
إنّ المتابع للنّشاط النّقابي على السّاحة الوطنيّة يدرك أنّ هذا النّشاط محكوم بجملة من التّصوّرات والآليّات والممارسات الّتي تعيق تطوّره ونموّه بشكل سليم. ولإمكانيّة معالجة هذا الوضع علينا تشخيصه بدقّة وانطلاقا من معطيات موضوعيّة.
إنّ الحديث بشكل عام عن الأزمة النّقابيّة ليس فقط غير مفيد بل يدعّم التّصوّرات و الآليّات المهيمنة عليه حاليّا عن كونه يقدّم وصفة وهمية لمعالجة مرض حقيقي. ولإمكانية تجاوز مقاربات الوصفات الوهمية نكون في حاجة للإلمام بجميع المعطيات. وهذه المهمة على غاية من التعقيد ولذلك فإننا سنحصر موضوع بحثنا في مجال نشاط قطاع محدد هو قطاع التعليم الثانوي. و مقاربتنا لنشاط هذا القطاع نقابيا سيعطينا صورة عن الوضع النقابي في مجمله.
إن شكل ومضمون كل ممارسة نقابية يخضعان لتصوّر محدد سلفا. لذلك فإنه ينبغي علينا دراسة التصوّر النقابي المهيمن حاليا داخل القطاع المذكور و أسباب هذه الهيمنة. أما دواعي هذه الدراسة فهي المساهمة في معالجة وضع نقا بي تؤكد الوقائع على الأرض أنه على غاية من البؤس والتخلف وذلك إذا ما نظرنا له من زاوية المهمّات التي يطرحها و المضامين التي يلوح بها والشعارات التي يرفعها. ونذكر من ذلك: الاستقلالية، الديمقراطية...ألخ.
فمن ضمن المسائل النقابية الهامة لقطاع التعليم الثانوي مسألة التصور المهيمن حاليا والذي لم يكن نتيجة لصراع أو جدل بين مقاربات مختلفة بل نتيجة محاصصات و اقتسام مراكز نفوذ. ومن نتائج هذه المحاصصات أن الصيرورة النقابية لا تحتكم إلى جملة من المبادئ والقيم المدنية و الديمقراطية. وللمهتمين بالشأن النقابي تسليط الضوء بالدرس والنقد وتبيان مواطن الخلل لهذا التصور لا بغرض محاكمته والقصاص منه بل بهدف أن يمارس قطاع التعليم الثانوي دوره النقابي فعليا. لذلك سنتعرض في هذه الوثيقة للمسائل الآتية:
الهيكلة النقابية لقطاع التعليم الثانوي
بيئة النشاط النقابي
ماهية النشاط النقابي
كيف نمارس النشاط النقابي؟
دور الهياكل النقابية في قطاع التعليم الثانوي
معايير لتقييم العملية النقابي
الهيكلة النقابية لقطاع التعليم الثانوي
نقابة أساسية: شرط وجودها أن لا يقل عدد منخر طيها عن 50 ومن نفس المعتمدية. تعقد مؤتمرها كل ثلاث سنوات لانتخاب مكتب من 7 أعضاء.
نقابة جهوية: هيكل بكل ولاية ينعقد مؤتمره كل ثلاث سنوات والمؤتمرون نوا ب عن النقابات الأساسية ينتخبون مكتب النقابة الجهوية من 7 أعضاء.
النقابة العامة: مكتب من 9 أعضاء ينتخبون في مؤتمر ينعقد كل أربع سنوات أما نواب المؤتمر فهم نواب عن النقابات الأساسية وأعضاء النقابات الجهوية.
الهيئة الإدارية القطاعية: تتركب من أعضاء النقابة العامة والكتاب العامون للنقابات الجهوية وهو ما يعني بالمعطيات الحالية 33 عضوا وتجتمع بصفة عادية كل6 اشهر.
المجلس القطاعي: يحضره أعضاء النقابة العامة الكتاب العامون للنقابات الجهوية والكتاب العامون للنقابات الأساسية. وهو ما يعني بالمعطيات الحالية 57 عضوا ويجتمع ووجوبا مرتين خلال الفترة الفاصلة بين مؤتمرين متتاليين.
كان من الضروري التذكير أن للقطاع هيكلة محددة من خمس هياكل وعلاقة هذه الهياكل في ما بينها تنظمها جملة من القوانين وكل هيكل يخضع إلى شروط قانونية وكل هذه القوانين يصطلح عليها بــ :
النظام الداخلي للإتحاد العام التونسي للشغل. ما هو مدى نجاعة هذه الهيكلة.هل إن القطاع يوظّف هذه الهيكلة لنكتشف مدى نجاعتها؟ ما هي معوقات التوظيف الناجع للهيكلة النقابية؟
بيئة النشاط النقابي
إن البيئة أو المحيط الذي نمارس ضمنه النشاط النقابي يعتبر معاديا بامتياز وذلك للاعتبارات التالية :
أولا
انعدام الحريات السياسية و المدنية وتتمظهرنتائجها في أن كل المنخرطين نقابيا يفتقدون إلى تجارب ميدانية في حقل العمل بالجمعيات والمنظمات المهنية هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الأحزاب القانونية والغير قانونية والتي تقول عن نفسها أنها خارج السلطة تستعمل المنظمات المدنية كمنابر لأنهم يتوهمون أن ذلك يمكنهم من بناء أحزاب قوية. إن هذا التصور الساذج لبناء الأحزاب كان من عوامل ضعفها بل كان كذلك من أسباب خراب المنظمات المدنية والمحصلة أحزاب هزيلة ومنظمات مدنية عاجزة عن القيام بدورها.
ثانيا
مجتمع تهيمن عليه عقلية الأسياد والأعيان وهي عقلية تنحى إلى حل كل المشاكل ليس وفق مرجعية قانونية موضوعية بل وفق مقايضات سرية وخارج كل قانون. كما تهيمن عليه ثقافة الإشاعة والأقاويل والأحكام الجاهزة وسرعة تقبلها والتعاطي معها بشكل قدسي إذا ما كان مصدرها العيّن أو السّيد.
ثالثا
اعتبار المقاربات المخالفة لفتاوى السيد أو العين جريمة قائمة الذات ونعني غيا ب ثقافة تعدد المقاربات.
رابعا
محاصرة كل عمل من شأنه محاسبة أو مراقبة المؤسسات أو المشرفين عليها واعتبار ذلك معيقا لنشاط هذه المؤسسات بدلا من التعاطي معه على أنه آلية من أجل التقدم و النجاعة، و لعل المثال الدال على ذلك الكيفية التي تعاطى بها الرأي العام العربي و قنواته الفضائية التي تصنع هذا الرأي العام كقناة المنار، الجزيرة ، نيو تي في ... حيث صوروا محاسبة الجيش الصهيوني لقياداته على أنها جزء من انتصارهم الوهمي على هذا الجيش و لم يتعاطوا معه على أنه سلوك ضروري و عادي في المجتمعات التي ترفض أن تحكم بنفس الطريقة التي تحكم بها المجتمعات العربية حيث أن تقليد المراقبة و المحاسبة مرفوض حتى في المنظمات المدنية فما بالك بالعسكرية.
خامسا
غياب ثقافة مدنية من شأنها التعاطي مع حقوق المواطن على أنها حق و ليست هبة من الزعيم أو السيد أو البطل.
سادسا
عدم التعاطي مع كل جديد و اعتباره مصدر إزعاج و محاربته بكل الوسائل (إشاعات، أفكار مسبقة، أحكام جاهزة ...)
سابعا
تقديس كل شكل من أشكال السلطة و محاولة التقرب منها ومن رموزها و التعاطي مع المنظمات المدنية على أنها شكل من أشكال السلطة في حين أن تاريخ هذه المنظمات يثبت أن دورها هو تقليص نفوذ السلطة و معيار نجاعة هذه المنظمات يكمن في قدرتها على الحد من هيمنة السلطة على المجتمع ونعني بذلك أن السلطة ليست طليقة في ممارسة صلاحياتها فهي تستحضر دوما دور هذه المنظمات في تعبئة المجتمع ضد المشاريع والقوانين المضرة به.
و ضمن هذه البيئة يكون طموحنا بعث نشاط نقابي يقطع في صيرورته ونموه مع خصائص هذه البيئة ومع منطق الفكر السائد. و صحة أي تصور للعمل النقابي تكون مرتبطة بقدرة هذا التصور علي إيجاد آليات تحد من نفوذ الفكر السائد في حقل العمل النقابي. إن المواجهة ستكون بين تصوريوظف كل ما في هذه البيئة من تخلف باستثمار الجهل وتنشيطه وتطويره في الحقل النقابي( وفي نفس الوقت يأخذه ذريعة للتبرير) وتصوريدخل في نزاع مع هذه البيئة.
ماهية العمل النقابي
إذا ما سلمنا بأن النشاط النقابي يمارس ضمن المحيط الذي ذكرنا بعض سماته علني ومدني له هياكل وضوابط تحكمه وفق مرجعية قانونية وبأننا نطمح أن تكون المنظمات المدنية مدرسة لمنخرطيها يتعلمون فيها الدفاع عن أنفسهم، نكون ملزمين بتحديد الكيفية التي سنمارس بها هذا النشاط.
كيف نمارس النشاط النقابي؟
ليس من السهل تحديد هذه الكيفية بكل تفاصيلها رغم أن هذه الكيفية تكمن في ممارسة هذه التفاصيل وقدرة هذه الممارسة في المسك بجميع المتغيرات و تقديم الحلول الملائمة في الظرف و المكان المناسبين. أما أن تتكئ هذه الممارسة على معلّبات و خطابات صالحة لكل زمان و مكان فذلك يعد مصادرة للعملية النقابية. إن الكيفية التي تقع بها الممارسة النقابية في مستوى التشكيلة الأساسية و نعني النقابة الأساسية ستحدد طبيعة الممارسة لكل القطاع و على هذه الممارسة أن تذهب في اتجاه القطع مع التقاليد السائدة المتبعة في كل أنظمة التخلف السياسي و في المجتمعات التي لم تشهد تنمية سياسية على الإطلاق، و إلاّ كانت هذه الممارسة متخلفة توظف و تستثمر الجهل بمبادئ العمل النقابي. وإذا ما أردنا معالجة العمل النقابي الحالي في قطاع التعليم الثانوي فعلينا البدء بمعالجته في مستوى التشكيلة الأساسية.
كيف ذلك؟
في كل نقابة أساسية عدد من المنخرطين يفوق الخمسين منخرطا (و هو شرط وجود هذه التشكيلة).
1. ضرورة انبثاق مكتب النقابة الأساسية المكون من 7 أعضاء إثر مؤتمر و ضرورة إنجازه في آجاله المحددة. لم ذلك؟
لأن المؤتمر ليس بعملية شكلية أو مجرد إجراء تقني نسعى لإنجازه إذا ما أردنا و بالكيفية التي نريدها أو لا ننجزه أصلا. إن إنجاز المؤتمر الذي ينبثق عنه مكتب النقابة الأساسية يعتبر مهمة أساسية في الممارسة النقابية الديمقراطية و يعتبر بحد ذاته ممارسة لحق نقابي للمنخرطين (الحق النقابي لا يقتصر على ممارسة إضراب) و ذلك إذا ما اعتبرنا أن هؤلاء تحكمهم جملة من التقاليد المعيقة لأي عمل مدني و التي أشرنا إليها سابقا. فبإنجاز المؤتمر يمكن تحقيق العديد من الأهداف إذ أن هناك مراحل ما قبل المؤتمر والمؤتمر و ما بعده.
ما قبل المؤتمر :
يمكن استغلال هذه الفترة بدعاية واسعة في أوساط المنخرطين بتوزيع بيانات، معلقات في دور الإتحاد، إنجاز اجتماعات تعرف بأهمية العمل النقابي وضوابطه وتدفع أقصى عدد ممكن من المنخرطين إلى الترشح لمكتب النقابة الأساسية، القيام بندوات و محاضرات إن أمكن، التعريف بالبرامج النقابية المختلفة،... و باختصار ابتكار أساليب عمل و آليات لفرض المؤتمر كحدث لدى المنخرطين.
المؤتمر:
إن نجاح المؤتمر مرتبط بشكل وثيق بما قبله و معيار ذلك نسبة حضور المنخرطين في هذا المؤتمر و هو شرط تتوقف عليه أشغال المؤتمر و نقصد حضور 50 بالمائة زائد واحد كما ينص عليه النظام الداخلي ونسبة الحضور معيار لمدى تمثيلية النقابة الأساسية لمنخر طيها و علما بأنه في حالة عدم توفر هذه النسبة يؤجل المؤتمر أشغاله لمدة خمسة عشر يوما. في هذه الفترة من المفترض أن يثبت فيها النقابيون قدرتهم على تعبئة المنخرطين لإنجاز مؤتمرهم و انبثاق نقابة تمثلهم. أما أن يتم التعامل مع هذه الفترة على أنها شكلية بحتة و استغلال الفرصة لتكوين مكتب شكلي و في غياب المنخرطين فهي مصادرة للعمل النقابي.
كما أن نجاح المؤتمر مرتبط بمدى قدرة لف أغلبية و لو بسيطة من المنخرطين حول مهمات نقابية واضحة و آليات لإنجازها لأن الوحدة النقابية التي يكثر عنها الحديث و التي قد تكون بالمنطق الساذج: "الناس الكل كلمة وحدة" تكمن في توفير الشروط اللازمة لممارسة نقابية ديمقراطية و تهيئة كل الظروف للتواصل مع المنخرطين عبر برنامج محدد للعمل النقابي. إن الوحدة لا تلغي أن يتحول المؤتمر إلى تنافس بين برامج نقابية علنية واضحة يدافع عنها أصحابها أمام أغلب المنخرطين. إن الوحدة النقابية تتمظهر في الالتزام بضرورة إنجاز مؤتمر وفق الشروط القانونية الموضوعية و انبثاق مكتب نقابي على إثره يكون نتاجا فعليا لذلك النشاط و لتلك الديناميكية النقابية التي سبقت المؤتمر و خلاله. إن مكتبا وقع إفرازه بهذه الطريقة سيساعد على ممارسة ديمقراطية اعتبارا لأنه لا يمكن الحديث عن أي ممارسة ديمقراطية دون ربطها بتفعيل كل القوانين التي تمكن المنخرطين من مراقبة و محاسبة هذا المكتب. بهذه الطريقة تضمن النقابة الأساسية مشاركة كل منخرطيها.
إن على نشاط المؤتمر أن يعكس قوة وحيوية و قدرة النقابيين في حقل العمل النقابي و أن يمكن المنخرطين من فضاء يستمعون فيه إلى مقاربات متعددة في قضايا محددة و الوقوف على مواطن التقصير والخلل للمكتب المتخلي، كما أنه سيمكنهم من المساهمة الفـعلية في الشأن النقابي و ذلك من خلال رسم آفاقه كما سيمكنهم من ممارسة حقهم الانتخابي وفق برنامج نقابي و دون ابتزاز أو مغالطة أو مقايضة وهذا يعني أن لا يكون الناخب معرضا في اللاحق إلى أي ممارسة من شأنها إشعاره بأنه لم يكن عليه بأن يصوت لفلان أو لغيره. إن على المؤتمر أن يكون مناسبة للمساهمة في بناء تقاليد نقابية تقطع مع أساليب المحاصصة والعشائرية.
إن العمل على إرساء هذه التقاليد يعد بحد ذاته إنجازا نقابيا هاما لأن من ضمن أهدافه خلق نموذج لممارسة بديلة داخل المنظمات المهنية. و نعني بلك أن المنخرطـين في نقابة لن يكونوا ديمقراطيين أو مدافعين أشداء عن الحريات المدنية و السياسية إذا لم يدركوا جدواها من خلال ممارستهم لهذه القيم داخل منظماتهم المهنية و لعل انعدام أي شكل من أشكال التنمية السياسية في هذا المجتمع هو دفع المنظمات المدنية والمهنية عموما إلى إعادة إنتاج أساليب و مهارات السلطة السياسية في اغتيال هذه التنمية ولكن من موقع آخر موقع التشهير بالسلطة. إن المنظمات المدنية تتعرض لاغتصاب من قبل السلطة ومن قبل جماعات تدعي بأنها معارضة فكانت النتيجة أن المجتمع جرّد من دور منظماته المدنية وأصبح لدينا منظمات كاريكاتورية يقتصر دورها حسب حاجيات السلطة وجزء من حاجيات المستنفذين بهذه المنظمات مدى الحياة.
و إذا ما أردنا العمل في المنظمات المدنية والمهنية فإنه من ضمن أهدافنا إيجاد نموذج نقيض لممارسات السلطة داخل المنظمات التي تسيطر عليها. ونعني بذلك العمل على خلق جملة من العلا قات الجديدة داخل المنظمات المدنية تكمن في التعاطي مع المنخرط على أنه مواطن بإمكانه أن يأخذ قرارا بنفسه وبناءا على قناعات توصل لها في زمن ما و مكان ما وبذلك قد نضمن بأن هذا المواطن سيكيف مواقفه وفق متغيرات موضوعية وينتج عن ذلك أن موقفا أغلبيا في مؤتمر ما قد يصبح أقليا في آخر. و لن يكون ذلك ممكنا دون أن تقع عملية الانتخاب بناءا على برنامج ودون إيمان هذا المواطن بأن نجاح البرنامج الذي أعطى له صوته مرتبط بمدى المساهمة في إنجازه و مراقبة عملية الإنجاز على ضوء مرجعية قانونية موضوعية، وأن بإمكان المواطن أن يكتشف أن لهذه القوانين فاعلية و أنه يمكن تطبيقها. بهذه الطريقة يخلق المواطن الذي قد يشمئز و يعارض سلوك السلطة في المنظمات المدنية انطلاقا من جملة من المبادئ والقيم.
إنه سيكون من الوهم التفكير بأننا سنحصل على السلوك المدني بجملة من الخطب و التشهير ومنازعة السلطة ليس على جملة من المبادئ والقيم بل على إمكانية الحصول على جزء من التسلط على هذه المنظمات.
دور الهياكل النقابية في قطاع التعليم الثانوي
نأتي لنحدد دور الهياكل الأخرى في قطاع التعليم الثانوي. النقابة الجهوية هيكل نقابي يلعب دور المنسق للعملية النقابية بين مختلف النقابات الأساسية في كل ولاية. ويكتسي مؤتمر النقابة الجهوية أهمية خاصة وكيفية إنجازه تعتبر ممارسة نقابية قائمة الذّات و لذلك عليه أن يكون حدثا بارزا يفرض نفسه في جدول أعمال المنخرطين و هذا يعني أن فترة انعقاد المؤتمر (أسبوع ما قبل وأسبوع ما بعد) مجال لنشاط كثيف و غير عادي. في الأسبوع ما قبل المؤتمر يمكن القيام بعديد الأنشطة في مستوى كل النقابات الأساسية وذلك في مقرات الاتحادات المحلية و أماكن العمل و يمكن أن يتم توظيف الحدث من أجل بعث و تطوير الحياة النقابية بمساهمة كل المنخرطين بفسح المجال لهم للتعبير عن اهتماماتهم و قضاياهم ذات الأولوية. أما المؤتمر بحد ذاته فعليه أن يكون الفرصة السانحة لاستنطاق الفترة النقابية التي سبقتها (أربعة سنوات) و ذلك من خلال التقرير الأدبي الذي عليه الالتجاء إلى لوائح المؤتمر الذي سبق لتحديد ما أنجز و خاصة ما لم ينجز والبحث عن أسباب عدم إنجازه وعليه كذلك التعرض لدور المنخرطين في الممارسة النقابية لمعالجة أسباب القصور إن وجدت وبناءا على ذلك تصاغ لوائح المؤتمر الجديد الذي عليه أن يحدد بالدقة المطلوبة و الممكنة أساليب و طرائق العمل وأهدافه و آليات إنجاز الممارسات النقابية اللاحقة.
على المؤتمر أن يكون مفتوحا لجميع المنخرطين وعلى الأقل في جزء كبير من أعماله. ونقصد بذلك: التقرير الأدبي ، دراسة التقرير الأدبي و نقاشه.
و الجزء الهام الذي يمكن تسميته بهامش المؤتمرلديه أهمية من حيث يمكن إقامة ندوات ، رسوم،عروض، بيانات، ... و بذلك يمكن أن نقول أن المؤتمر مثّل فعلا ممارسة نقابية تقطع مع السائد.
إن العمل بهذه الأساليب سيمكّن من إرساء تقاليد جديدة يتبوأ فيها المنخرطون موقع الصدارة و سيمكنهم من إيجاد نموذج لممارسات بديلة عن ممارسات تقليدية وبائسة أعطت لنفسها، بحكم الزمن، صفة الممارسة البديهية و الطبيعية. أما ما بعد المؤتمر فعلى هذا المكتب أن يمارس صلوحياته لا كسلطة على المنخرطين وجب التقرب منه للحصول على بعض الامتيازات بل كهيكل مدني من ضمن أهدافه الحد من نفوذ سلطة الإشراف على المنخرطين لا منافسا لها لاكتساب حصة من هذا النفوذ بأدوات تستعيرها من سلطة الإشراف. فنشاط كل هيكل مدني يتوقف على مدى اعتماده الأساليب الديمقراطية.
و بحكم أن النقابة الجهوية تنسق أعمال النقابات الأساسية و لكونها حلقة الوصل بين هذه الهياكل و النقابة العامة فإن مضمون هذا التنسيق يتم بتبويب جميع القضايا المطروحة في مستوى النقابة الأساسية والقضايا المطروحة على المستوى الوطني. يعني أن تكون النقابة الجهوية القناة التي ستمر منها قضايا القطاع لدراستها في مستوى الهياكل الأخرى وكذلك القناة التي من خلالها ستتمكن النقابة العامة أو الهيئة الإدارية القطاعية من التواصل مع منخرطي القطاع وذلك باطّلاعهم عبر جميع النقابات الأساسية كتابيا على الكيفية التي ترى بها هذه الهياكل التعاطي مع القضايا الهامة للقطاع و هذا يتطلب أن تكون هذه الكيفية والقضايا ضمن جدول أعمال النقابات الأساسية في عملها مع جمهور منخرطيها لمناقشة جميع المقاربات و آليات العمل و بهذه الطريقة يمكننا القول بأن القضايا المطروحة هي قضايا القطاع.
إن العمل بالأساليب المذكورة يؤسس لإمكانية عمل مدني مرجعه مؤسسات و قوانين في خدمة المنخرطين و إن ما يتحقق من إنجازات نتاج لما يقدمه المنخرطون ولمدى مساهماتهم في هذا العمل و ليس بفضل بعض المقايضات أو بمدى حنكة و صمود بعض الأبطال.
إن نجاعة العمل في المنظمات المدنية تقاس بمدى التأسيس لعلاقات جديدة نقيضة لعلاقات ينتجها الفكر السائد الذي يقوم بتحصين نفسه يوميا بعديد الوسائل (الصحف على شاكلة الأكثرانتشارا في تونس، الإشاعات، الأحكام الجاهزة...). إن نقيض الأساليب البدائية في العمل النقابي هو الديمقراطية النقابية التي تمارس فعليا على اعتبارها مهمات نقابية تترجم في سلوك يومي في الحقل النقابي وليس كبيانات و خطط في بعض المناسبات.
النقابة العامة
تتركّب النقابة العامة من تسعة أعضاء يقع انتخابهم خلال مؤتمر القطاع و ذلك كل أربع سنوات. ومن الضروري أن يفرض المؤتمر نفسه كحدث وطني و أن يولى الأهمية القصوى وذلك بجملة من الآليات والإجراءات التي لا بد من القيام بها على مستوى النقابات الأساسية و الجهوية و لا يمكن لهذا المؤتمر أن يكون فعلا للقطاع ما لم تقم كل هياكله بعمل تعبئة يومية موضوعها مؤتمر القطاع و قضايا القطاع. إنه ليس من الصعب فرض المؤتمر كحدث وطني وذلك اعتبارا لــ
1. ارتباط هذا القطاع بمسألة على غاية من الأهمية في المجتمع و هي مسألة التعليم والمعرفة.
2. ضرورة توظيف الإمكانيات المعرفية للقطاع و ذلك في ميدان الإعلامية، لتصرف، التقنية...
و فرض المؤتمر كحدث وطني لن يكون ممكنا إلا إذا اعتبرنا أن المؤتمر للمنخرطين و ليس شأنا خاصا لبعض المحترفين يغلقون على أنفسهم بابا و يقومون بمحاصصة طائفية.
و بإمكان المؤتمر أن يفتح آفاقا واسعة للعمل النقابي بدعوته منظمات مدنية عالمية و شخصيات عالمية ووطنية لديها تجارب ميدانية في مجال العمل المدني و في قضايا التعليم والتربية و التكوين والاعتماد على لجان تتكون بدعوة مفتوحة لكل من يري في نفسه الكفاءة والقدرة على إثراء المؤتمر بدراسات، بمعطيات، برسوم، بعروض سينمائية أو شعرية... يعني أن نخلق فضاءات متعددة تعكس التنوع و الثراء المعرفي الذي من المفترض أن يكون عليه قطاع التعليم. و هذا يعني باختصار أن يتحول المؤتمر إلى كرنفال يعبر فيه القطاع عن جميع إمكانياته وطاقاته وقضاياه. إن قدرة المؤتمر على تحريك وتوظيف كل طاقات القطاع تقيم الدليل على تمثيلية الهياكل للمنخرطين و تضع هذه الهياكل في موقع قوة في علاقتها بسلطة الإشراف. إن قوة قطاع التعليم نقابيا تكمن في نوعية الأساليب و الطرائق التي تعمل بها هياكله فيما بينها و نوعية علاقات هذه الهياكل بمنخرطيها ومدى انخراط هؤلاء في الممارسة النقابية و لا تكمن في كمّية الزّعيق و الشّعارات وعدد الاعتصامات أو عدد الأيام المخصومة الأجر.
ما بعد المؤتمر
لتكون العملية النقابية ناجعة بإمكان المكتب المنبثق عن المؤتمر عقد لقاءات و ندوات بالولايات التي بها كثافة عالية من المنخرطين ليعرّف بمهامّه و برامجه و آليات عمله و الدعاية للوائح المؤتمر و أن يساهم في تعبئة المنخرطين حول مهام محددة و واضحة و أن يقنع المنخرطين بأنه في خدمتهم دون تصنيف أو تمييز.
معايير لتقييم العملية النقابية
لتقييم جدوى و نجاعة أي نشاط مهما كان نوعه يتم إخضاعه إلى جملة من المقاييس الموضوعية التي تكون بمثابة المرجع للحكم عليه. والعمل النقابي من جملة الأنشطة التي يمكن إخضاعها إلى جملة من المعايير الموضوعية لأنه بدون ذلك سيلجأ كل نقابي و حسب مزاجه إلى معاييره الخاصة لتقييم النشاط النقابي مما يعيق عملية التواصل بين النقابيين.
إن لهذه المعايير الموضوعية أهمية خاصة لأنها ستساعد على تشخيص مواطن الخلل في العملية النقابية وتقديم المقاربات الملائمة لها. وهذه المعايير بحد ذاتها تكون موضوع نقاش ومقاربات داخل الحقل النقابي وبعد اعتمادها تصبح مرجعا. إنه من الطبيعي أن يرتبط تحديد هذه المعايير إلى حد ما بالتصورات النقابية. فمثلا الحنكة و الشجاعة و الصدامية معاييرمعتمدة لنجاح العمل النقابي في التصورات البدائية للعمل النقابي (التي مركز ثقل العمل النقابي فيها هو الارتجالية والفردية). وإذا ما ارتبطنا بما جاء في هذه الوثيقة فإنه يمكن تحديد بعض المعايير.
1. نسبة نمو عدد المنخرطين بالقطاع حيث يمكن استغلال هذا المعطى لدراسة قدرة الممارسة النقابية على اجتذاب مدرسين إلى ميدان الحقل النقابي. كما يمكن استنطاق هذا المعطى من حيث توزيع المنخرطين في المكان لنكون فكرة عن العوامل المؤثرة في ذلك.
2. نسبة إقبال المنخرطين على الاجتماعات ويمكن مراقبة ذلك في علاقة مع جداول الأعمال المطروحة.
3. حصر عدد المشاكل المطروحة في مستوى كل سنة دراسية و تصنيفها و تحديد نسبة المشاكل التي وقع حلها.
كما أنه يمكن إضافة مقاييس نوعية لمراقبة النشاط النقابي و نذكر من ذلك النمط الذي تسير به المفاوضات مع سلطة الإشراف في مختلف المستويات و كيفية تعاطي الهياكل النقابية مع المسائل المطروحة. ويكون إرساء هذه المعايير مفيدا إذا ما طرحت من زاوية إرساء تقاليد جديدة و ليس من زاوية أن تقدم النقابة جردا لإنجازاتها لتمن بها على المنخرطين وتكوّن موالين كما أنها لن تكون ذات جدوى إذا لم نعتمد على معطيات دقيقة و كتابية موثقة و مؤرخة و بإمكان أي منخرط الرجوع إليها. مع العلم أن هذه المعايير قابلة للتطور و التحوير من خلال النشاط النقابي و ما سيفرزه في أرض الواقع.
إن على القطاع إذا ما أراد أن يصف نشاطه بصفة نقابية أن يعمل على إرساء أساليب حديثة و طرق جديدة تقطع مع التواكل و التشهير والغوغائية بجميع تلاوينها. إن القديم سيدافع عن نفسه و يختلق من الذرائع و الأوهام ليحول دون التقدم موظفا الواقع الحالي البائس قائلا أنه لا يمكن فعل أحسن مما كان. فالنتيجة واحدة (سواءا كان هذا القول عن حسن نية أو عن سوء نية) وهي انعدام عمل نقابي معقلن ذو أهداف واضحة. فإذا كنا بالفعل ندرك أن صعابا كثيرة تحول دون إرساء عمل نقابي سليم فذوو النوايا الحسنة عليهم الإقرار أولا ومبدئيا بضرورة العمل والبحث عن أساليب جديدة و ديمقراطية و أن تصبح هذه المهمة ــ البحث في إصلاح العمل النقابي بالقطاع ــ مهمة نقابية في جدول العمل النقابي أما الالتفاف على هذه المهمة، و على طريقة التفاف أنظمة التخلف السياسي على كل مشاريع الإصلاح التي ادعت تبنيها، بكل الوسائل بذريعة أن أي إصلاح يعد هجوما على العمل النقابي وليس هجوما على أساليب ليست لها أية علاقة بالعمل النقابي. وتتمثل هذه الوسائل في أن يهرع الكثيرون إلى مستودعاتهم القديمة و جلب معدات ثقيلة صدئة من نوع : "إنها مؤامرة، إننا مستهدفون، إنها خيانة للقطاع، إنه الاستقواء بالسلطة أو بالخارج، ... "
إن مثل هذه المصطلحات بحد ذاتها غريبة عن حقل العمل النقابي فهي مصطلحات لأنظمة أمنية وعسكرية استبدادية و وجودها بحقل النشاط النقابي للقطاع يعد كارثة و مشروعا للتخريب. وحتى نؤكد على ذلك نقدم المشهد النقابي للقطاع في وضعه الحالي (سبتمبر 2006).
الوضع الحالي
إنه من الأهمية دراسة الممارسات النقابية داخل القطاع و تكمن هذه الأهمية من حيث أنها ستعطينا فكرة واضحة عن الرؤى و التصورات المهيمنة على النشاط النقابي في قطاع التعليم الثانوي و قبل التعرض إلى التصورات بحد ذاتها سنتعرض إلى تمظهرات هذه التصورات.
1. كيف يتم بعث النقابات الأساسية؟
في أغلب المعتمديات تتكون هذه التشكيلات الأساسية دون مؤتمرات ودون التقيد بأدنى شرط من شروط النظام الداخلي و دون علم المنخرطين و كل المنخرطين بتلك النقابة الأساسية يجهلون جهلا تاما من هم عناصر النقابة وكيف ومتى تكونت النقابة الأساسية و من بينها نقابات تستمر في "العمل النقابي" لدورتين أو ثلاث إن لم يكن لمدى الحياة و بشخص أو شخصين أو ثلاثة كانوا قد نسوا أنهم أعضاء نقابات أساسية لطول المدة. أما الطريقة السائدة في تشكيل هذه النقابات فهي المحاصصة بين كثير من الجماعات التي تتوهم أنها جماعات سياسية و أنه من اختصاصها بعث نقابات أساسية. و هكذا يولد هذا المكتب ميتا حيث تجد به أشخاصا لا علاقة لهم بالعمل النقابي و قد يكون لا يعرف أصلا مقر الاتحاد المحلي أو الجهوي وقد يفاجأ بوجود اسمه ضمن التشكيلة النقابية فيقبل بذلك اعتبارا لأن سيد القبيلة قام بتسجيله و دون أن يعلمه مسبقا بذلك. وسيد القبيلة الذي على يده تبعث النقابات و تموت يكون كل زاده النقابي جملة من الشعارات و الإشاعات والأقاويل التي لا يعلم أصلا مصدرها وكل ثقافته في مجال العمل النقابي و المدني عموما اكتسبه من الفكر اليومي السائد. وكأن النشاط النقابي لا يحتاج إلى كفاءات وضوابط وتقاليد فهو فعل بديهي بطبعه والقليل من الشعوذة كاف لممارسة هذا النشاط. فمن أين إذن تستمد هذه النقابات الأساسية شرعيتها؟
الشرعية المقلوبة
إن النشاط داخل المنظمات المدنية و المهنية تحكمه جملة من الضوابط والمبادئ المعلنة للعموم و هي المرجع الأول والأخير لتسيير ذلك النشاط. إن الجزء الهام من النشاط المدني و المهني ــ وخاصة في مجتمعات التخلف السياسي ــ يكمن في دفع منخرطي هذه المنظمات إلى الاحتكام إلى ضوابط موضوعية مع إيلائها أهمية قصوى من أجل محاصرة نفوذ المحيط الذي يدفع باتجاه الاحتكام إلى زعيم أو شيخ أو فتوى مع التشديد على أن هذه الضوابط والمبادئ (و هي النظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل في هذه الحالة) ليست أبدية بل هي نفسها أقرت في مؤتمر و تتم مراجعتها خلال كل مؤتمر و عليها أن تعكس مستوى نضج تلك المنظمة و موازين القوى بين مختلف التصورات في تسيير شؤونها. فإذا ما سلمنا أن المشروعية لنقابة أساسية مصدرها مؤتمر هذه النقابة الأساسية و مشروعية هذا المؤتمر في حد ذاته وتحديدا من حضور 50 بالمائة من المنخرطين زائد واحد يعني أن تمثيلية النقابة مرتبطة بالمؤتمر وإذا ما أراد أي نقابي ادعاء صفة تمثيل منخرطين فعليه العمل وفق قوانين لإنجاز مؤتمر بالأغلبية. وهذا يعني أن المؤتمر فرصة لامتحان قدرته على النشاط داخل المنظمات المدنية. وسيكون هذا النقابي أكثر سعادة كل ما ازداد عدد المرشحين لعضوية مكتب النقابة الأساسية ودون المرور بتأشيرة شيخ والعمل على أن يحضر أكثر عدد ممكن من المنخرطين يعد بحد ذاته مهمة نقابية نبيلة لأن من شأن ذلك إرساء تقاليد جديدة في النضال المدني من زاوية أن المنخرطين سيمارسون حقهم في الاجتماع والاستماع إلى برامج مختلفة و أنه بإمكانهم الانتخاب بشكل سري و دون وصاية أو منّ من أحد. أن يساهم مؤتمر ما في تقديم نموذج مخالف و نقيض لما يقع يوميا من الممارسات السياسية المتخلفة يعد بحد ذاته فخرا للانجازات النقابية. إذا ما تمكنا بالاعتراف الفعلي بالدور المركزي للمنخرطين في العملية النقابية وإذا ما تفهمنا أن مكتب النقابة الأساسية المنتخب في خدمة المنخرطين و أن لهؤلاء قوانين لمراقبة نشاط هذا المكتب والتخلي عنه إن أرادوا (إمضاء عريضة بثلثي المنخرطين)، إذا ما تم تحقيق ذلك أصبح بالإمكان ترسيخ سلوك نقابي جديد يقطع مع عقلية "آش عملتولنا ؟" و هي الصورة السائدة في العمل النقابي حيث يساهم المنخرطون في مصادرة حقهم النقابي بأنفسهم.
إن الأساليب المتبعة حاليا من قبل ما تسمى بنقابات أساسية بالقطاع تخالف مخالفة صريحة جميع القيم والمبادئ و الضوابط المعمول بها في المنظمات المدنية والمهنية حيث أن هذه النقابات الأساسية لا تمثل فعليا منخرطيها بل تمثل من قام ببعثها إثر فتوى أو محاصصة "سياسية". و تتمثل نتيجة هذه الأساليب في انهيار الدور الفعلي للنقابات الأساسية كهياكل أساسية ممثلة للمنخرطين فالنقابات الأساسية قد تحولت إلي ظل للنقابات الجهوية والسائد هو أن النقابات الأساسية ملك خاص للنقابات الجهوية التي تصبح بدورها فاقدة لكل شرعية باعتبار أن هذه الشرعية تستمد من نقابات أساسية قانونية و من نتائج ذالك أن عديد النقابات الجهوية لا تري ضرورة لإنجاز مؤتمراتها وتستمر في تخريب النشاط النقابي للعديد من السنوات. أما الحالات التي تضطر فيها إلي إنجاز مؤتمرات شكلية فبدافع انفراط عقد المحاصصة بين ما يطلق عليه الأطراف النقابية وليس بدافع احترام الضوابط أو البحث عن شرعية مفقودة. إذا من أين تستمد هذه الهياكل الجهوية شرعيتها؟.
إن لدى هذه الهياكل شعور عميق بهذا "المأزق" وهو بالضبط ما يدفعها إلى البحث عن شرعية و ذلك بالتقاطها الأحداث اليومية من الوضع المهني للمدرسين ــ وفي فقدان هذه الأحداث تقوم باختلاقها وتهويلهاــ ليس بغية دراستها أو البحث عن حل لها بل لإيهام جمهور المنخرطين بأن لديهم من يدافع عنهم هذا من جهة ومن جهة أخرى لابتزاز سلطة الإشراف من حيث إمكانية تحقيق بعض المصالح التافهة للبعض من زبائن هذه النقابة (توّ أنّقلك، توّ ندبّرو لولدك منحة، توّ نخلّيلك بنتك في الشّعبة اللي تحب عليها، توّ نكلّم عليك المفقّد هذاك راهو متاعنا، توّ ندبّرلك جدول باهي فيه نهارين فارغين...).
فالمنخرطون لا يعلمون المعطيات الموضوعية للمشاكل و ما هي آليات حلها و يصبح العمل النقابي محكوما بالابتزاز و بالاعتماد على سلطة الإشراف و في العديد من الحالات لاحظنا تصعيدا مفتوحا معها دوافعه إمّا تلكّؤ هذه السلطة في الاستجابة لبعض مطالب زبائن النقابة أو أن هذه السلطة لم تحترم العرف الجاري بينها وبين النقابة في المقايضات. و في عديد المرات تلجأ هذه الهياكل إلي إعلان حالة الطوارئ في صفوف المنخرطين بتوظيف بعض مشاغل المدرسين ثم بعد فترة يعود كل شئ إلى سالف عهده فلا المشاغل وجدت طريقها للحل ولا أحد يتساءل عن غياب الحل أو حتى عن غياب طرح المسألة للدرس ويختفي الزعيق وتنتهي حالة الطوارئ بعد استعمال المنخرطين كأداة ضغط لا غير.
إن العملية النقابية ممارسة ميدانية ومدنية تخضع لضوابط محددة وكل طرف في هذه العملية له دور محدد بمرجعية قانونية يحتكم إليها. فالهيكل النقابي يستمد شرعيته من جمهور منخرطيه وليس من الأحداث اليومية وبجملة من الإنجازات الوهمية وعلى طريقة أنظمة التخلف التي تستمد كذلك شرعيتها بتمجيد إنجازاتها ومساعداتها وتربص العدو الخارجي بها وهو ما نصطلح عليه بالشرعية المقلوبة.
إن الهياكل النقابية الشرعية لا تخاف من منخرطيها وتسعي إلي طرح جميع القضايا في اجتماعات علنية سواء بأماكن العمل أو بمقرات الإتحاد وحلول المشاكل تؤخذ بأغلبية الأصوات بعد مناقشة جميع المقترحات وفي متسع من الوقت وهذه الهياكل ملزمة بمتابعة الحلول المقترحة مع سلطة الإشراف ومد المنخرطين ببيانات كتابية ومحاضر جلسات كتابية والقيام باجتماعات لتقييم كل ممارسة نقابية. إن هذه الأساليب الديمقراطية في العمل ستمكن من قطع الطريق عن كل المرتزقة وتعيد ثقة المنخرطين بهياكلهم كما أنها ستعيق استعمال هياكل القطاع كأدوات ضغط أو ابتزاز في مسائل لا علاقة للقطاع بها.
إن الجزء الهام في العملية النقابية يكمن في الدور الرئيسي للتشكيلات الأساسية لأن تمثيلية جميع الهياكل الأخرى نقابة عامة كانت أو جهوية، هيئة إدارية قطاعية أومجلسا قطاعيا، تفتقد شرعيتها بفقدان النقابات الأساسية لشرعيتها.
إن معالجة الوضع الحالي للوضع النقابي تستدعي معالجة وضع النقابات الأساسية و تمكينها من ممارسة دورها بالاعتماد على جميع طاقات منخرطيها كتكوينها لجانا تعمل في أنشطة متعددة وهو ما يمكن الهياكل الأخرى من العمل بنجاعة. إن العمل النقابي لن يكون مفيدا للقطاع أو المجتمع بجملة من الشعارات و الخطابات التي تدعو للديمقراطية و تطالب بالتداول على السلطة في الحين الذي تمارس فيه تقاليد السلطة في المنظمات المدنية حيث أن أغلبية الكتاب العامين للاتحادات الجهوية لديهم ما يزيد عن العشرين سنة في مهامهم كما أن العديد من الكتاب العامين للنقابات الجهوية للتعليم الثانوي استمروا بمهامّهم لثلاث وأربع دورات ودون مؤتمرات والغريب أن ذلك لا يمنعهم من الزّعيق والمطالبة بالديمقراطية فإذا كانت مهام كاتب عام لنقابة مغرية إلى هذا الحد فماذا نقول عن رئاسة دولة؟
هل يمكن تحقيق إنجازات للقطاع؟
إن وضع النقابات الأساسية والنقابات الجهوية قد حدد وضع النقابة العامة وسلوكها سواءا كان ذلك في علاقتها مع سلطة الإشراف أو مع المنخرطين من حيث أنها تفتقد إلى قدرة الهياكل المذكورة فتكتفي ببعض المناوشات و إصدار البيانات والقيام ببعض الاضرابات التي لا يجب عليها أن تزعج السلطة ليس لأنها لا تريد إزعاجها فقط بل لأن أي شكل قد يزعج سلطة الإشراف سيكون كذلك فرصة لتمتحن فيه النقابة العامة قدرتها على تعبئة منخرطيها و مثل هذه العملية تعتبر عملية انتحارية. إذا فالعمل النقابي سيكتفي بالتهديد و الوعيد و البيانات النارية دون تحقيق إنجازات تذكر. والنتيجة الفعلية لذلك غياب المنخرطين عن حقل الفعل النقابي الذي أصبح مغتصبا من قبل بعض العشائر التي لا تفقه شيئا في هذا الميدان.
خلاصة:
التصور النقابي المهيمن في قطاع التعليم الثانوي جزء من الفكر السائد، فكر قروسطي يتمظهر:
ــ سلوكيا: في الاستبداد والتشهير والمغالطة ومصادرة الفكر و المعرفة.
ــ تنظيميا: في إلغاء دور المؤسسات و الهياكل و الضوابط و استبعاد كل دور للجمهور.
إن بإمكان كل عاقل أن يلاحظ نتائج هذا التصور إذ أصبح النشاط النقابي مقتصرا على بعض الأفراد الذين يبدون دوما في حالة طوارئ لإدارة العملية النقابية برمّتها: شطحات في دور الاتحاد "اعتصامات"، "مسيرات"، وإن قدّموا شيئا بذلك فهو تشويه للأشكال النّضالية و ابتذال لها فنحن لم نر يوما في جميع أنحاء العالم مسيرات و اعتصامات على الشكل المتخلف الذي يقدمه هؤلاء لنا.
لقد أوكل أصحاب هذا "التصور" لأنفسهم جميع المهمات نيابة عن المنخرطين وعن المجتمع كله. فهم حماة المنخرطين وحماة الأمة وحماة الهويّة ولكن لوحدهم (وهنا تظهر بطولتهم). و من لم يكن على رأيهم فهو عدو لهذه الأمة ولتاريخها. ولعل الشيء الوحيد الذي يمكن لهؤلاء الاعتزاز به هو أن ممارستهم فعلا جزء من هذا التراث و نسخة طبق الأصل لتاريخ هذه الأمة فلا خطر إذن عليها فهي محكومة وفي كل المجالات بالجزء الغير نيّر من التراث : فالاستبداد و القهر و مصادرة المعرفة و العقل خاصة والمحاصصة الطائفية و الحروب المذهبية و الحكم مدى الحياة ثمّ توريثه، فهذه الأمّة تتنفّس التّراث وتنظيماتها السياسية والنقابية والمدنية و أنظمة حكمها تعمل بأفكار القرون الوسطى.



سبتمبر2006